الإعلام العربي وصحافة البيانات

الإعلام العربي وصحافة البيانات
كرّست الصحافة معظم جهودها للتقصي والجمع, ولكن مع وفرة المعلومات، فإن ما أصبح أكثر أهمية هو معالجتها" (فيليب ماير - كتاب صحافة البيانات، كيف نستخرج الأخبار من أكوام الأرقام والمعلومات في الإنترنت؟). كل دقيقة، يلد العالم من حولنا كماً هائلاً من المعلومات, التي بصيغتها المجردة، تفتقر إلى المعنى، وتكمن أهمية صحافة البيانات Data Journalism في صناعة هذا المعنى، وإيجاد الروابط وتوضيحها للجمهور. توفّر خدمات البيانات المفتوحة، وفيض الإحصاءات في العالم للصحفيين مصدراً جديداً لقصص مثيرة للاهتمام يمكن أن تسهم في كشف الخلافات المجتمعية، وتسليط الضوء على التهميش والظلم السياسي والاقتصادي، كما يمكن أن تزوّد الجمهور بمقاربات جديدة وجذابة في المناقشات حول السياسات العامة وقضايا التنمية. يولي الصحافيون في العالم العربي مزيداً من الاهتمام للفرص التي توفرها البيانات في الآونة الأخيرة، ولكن مع ذلك، تبقى المبادرات لتقديم محتوى قائم على البيانات، قليلة جداً، قياساً بالاهتمام الصاعد في أوروبا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. ما الذي يعرقل نمو صحافة البيانات في المنطقة؟ الإجابة عن هذا السؤال تبدأ بسؤالين آخرين: هل لدينا بيانات؟ وأي نوع من البيانات تتوفر لنا؟ يجمع العاملون في مجال الإعلام اليوم على صعوبة الوصول إلى البيانات في العالم العربي. هذه المشكلة كانت وراء إنشاء البوابة العربية للتنمية، وهي مبادرة لبرنامج الأﻣﻢ اﻟﻤﺘﺤﺪة الإﻧﻤﺎﺋﻲ هدفها تسهيل الوصول إلى البيانات والموارد حول قضايا التنمية في العالم العربي. تضم البوابة اليوم قاعدة بيانات لأكثر من 2,000 مؤشر مستخرج من بيانات مكاتب الإحصاءات الوطنية والمنظمات الدولية. تشير فرح شقير، منسقة المشروع، إلى حاجة البلدان العربية لمواقع تعرض بيانات رسمية، إذ يلجأ معظم المستخدمين إلى البيانات الدولية لعدم توفر المعلومات على الصعيد الوطني. وفي حال توفر البيانات، تقول شقير، يصعب الوصول إليها، إما لأنها غير متاحة للجمهور بشكل مفتوح على الإنترنت، أو لأنها منشورة بطريقة لا تسهّل الاستخدام التفاعلي، عبر صيغة PDF مثلاً. ولذلك من المهم تسهيل الوصول إلى البيانات الرسمية كأولى الخطوات في تعزيز الثقافة الإحصائية غير النخبوية والمساهمة في خلق قاعدة واسعة من المستخدمين القادرين على استخدام وتحدّي الرقم. تشير. إن محدودية الموارد البشرية في المؤسسات الصحافية، انطلاقاً من فكرة أساسية مفادها أن ليس أي صحافي هو صحافي بيانات. تتطلب صحافة البيانات مهارات في التعاطي مع الكم الهائل من البيانات، والقدرة على تحليلها وتفسيرها واستخراج مقاربات جديدة لما يحدث حولنا، بالإضافة إلى القدرة على عرضها بالطريقة الأنسب. وهو أمر لم تلتفت إليه كليات الصحافة في العالم العربي، ولم توضع له بعد برامج تعليمية مناسبة. ولكن محدودية الموارد البشرية لا تتوقف عند مدى توفّر الصحافيين المتخصصين. "غرف الأخبار كانت تضم صحافيين فقط، ليست هذه هي الحال اليوم . ويعود ذلك بشكل أساسي إلى التكلفة المرتفعة لإنتاج المواد الصحافية المبينة على البيانات، والتي تتطلب مشاركة أصحاب مهارات مختلفة، في ظل التمويل المحدود والأزمات المالية التي تواجهها الوسائل الإعلامية العربية. لم يعد بإمكان العالم العربي أن يتجاهل صحافة البيانات اليوم. ما الذي يعيق تطورها بحسب أبرز العاملين بها؟ بالإضافة إلى الاهتمام القليل المعطى إلى أدوات الصحافة الحديثة في الإعلام العربي، واستمرار اعتماده بشكل أساسي على النص، تأتي مشكلة الافتقار إلى أدوات معالجة البيانات التي تدعم اللغة العربية، وهو موضوع تطرق إليه عمر العراقي، أحد مؤسسي Infotimes، موقع متخصص في صحافة البيانات، يركّز العراقي على أهمية الأدوات في كل مراحل إنتاج صحافة البيانات، لا سيما في عملية توفير الوقت والموارد. وفي حين تتوفر اليوم العديد من أدوات العرض المرئي للبيانات المفتوحة المصدر، يتضمن استخدامها باللغة العربية الكثير من المشاكل، وذلك في شبه غياب للمبادرات التي تعالج المشكلة. أفضل الممارسات صحافة البيانات نوع رقمي بكل ما للكلمة من معنى، وكيفما تطورت، فستكون جزءاً من المستقبل قدّمت إيفا كونستانتارس من إنترنيوز خمس نصائح لخطة فاعلة في إنتاج صحافة البيانات: 1- تفادي إهدار جهد بلا طائل، البدء بمجموعات بيانات بسيطة ثم تطويرها شيئاً فشيئاً 2- البدء من البيانات المتوفرة بين أيدينا 3- الانطلاق من السؤال لا البيانات 4- إعطاء الأولوية للقصة التي نرويها لا لكيفية عرضها أو تصويرها 5- طلب المساعدة من متخصصين. وتناولت المناقشات العلاقة مع الجمهور وتأثير صحافة البيانات على قراء اليوم، في عالم يعتمد بشكل كبير على الصورة، بالإضافة إلى إيجابيات وسلبيات زيادة الاعتماد على منصات وسائل التواصل الاجتماعي لمستقبل الوسائل الإعلامية. إحدى النصائح التي تقدم عند الحديث عن صحافة البيانات هي "تجنّب الإفراط في الدقة"، ففي حين من الضروري أن تكون الرسوم البيانية التي تُعرض صحيحة بشكل عام، فلا حاجة للقلق إن كان لدينا عدة مستويات من التقريب أو إذا لم تصل نسبة الدقة إلى 100%، أو إن كنا نفتقد بيانات بعض السنوات، ما دمنا قادرين على رؤية الاتجاهات الرئيسية وما علينا عرضه. كما لا بد من تفادي الإفراط في عرض المعلومات، والعمل على إبراز الفكرة الأهم.

Author’s Posts