الفراغ التشريعي والرهانات الرياضية عبر الأنترنت في تونس
سكاي وورلد نيوز / تونس/ أحمد فريضي ماجستير علوم جنائية / سكاي وورلد نيوز / الفراغ التشريعي والرهانات الرياضية عبر الأنترنت في تونس.
" المصيبة ليس في ظلم الأشرار بل في صمت الاخيار" بليغة هذه العبارات لما تعيشه اليوم البلاد التونسية في ظل جرائم مستحدثة خطيرة تهدد أمن واستقرار المجتمع مسكوت عنها ،أهمها جريمة التلاعب بالرهان الرياضي الإلكتروني والسكوت التشريعي المريب.
و بصفة عامة الراهنات الرياضية هي قيام المراهن بتحديد خيار أو أكثر على نتيجة المباراة الرياضية سواء في الرياضات الفردية أو الجماعية ،وكل خيار يملك نسبة وتضرب هذه النسبة في مبلغ الرهان ،وتتم عملية الرهان سواء قبل الحدث أو أثرى سيره.
أباح المشرع التونسي إمكانية تعاطي تجارة الرهان الرياضي عبر هيكل تشرف عليه الدولة والمتمثل في شركة النهوض بالرياضة ،والتي تم إحداثها بمقتضي قانون عدد 63 المؤرخ في 06 أوت 1984 والمتعلق بتنظيم و تنمية الأنشطة البدنية والرياضية ،التي تمكن المشارك من الفوز بمبالغ مالية في صورة الحصول على العدد المطلوب من الإجابات الصحيحة.
لكن اليوم في تونس توجد شركات الرهان الرياضي الإلكترونية الغير مشرع لها بممارسة هذا النشاط وتنافس في شركة النهوض بالرياضة ،و ظهورها يعد انعكاسا طبيعيا لتطور العصر يتماشى مع تطور تقنيات وأدوات المعاملات المالية الإلكترونية ،وبتحول عالمنا إلى عالم رقمي ،وبمساهمة التكنولوجيا على وجود نقود افتراضية وهو ما تتعامل به شركات الرهان الرياضي الإلكتروني ،هذا يكشف لنا عن التشريع التقليدي التونسي وعدم مواكبته لتطور التشريعات المقارنة في هذا المجال.
هذا يستخلص من ما نص عليه المشرع التونسي في المرسوم عدد 20 لسنة 1974 المتعلق بإقامة الألعاب وألعاب البيت واليانصيب في فصله الأول بأنه "تعتبر الألعاب التي غلب فيها الحظ علي البراعة ألعاب قمار وميسر ولذلك تمنع ممارستها إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك " ،بالتالي يتبين أنه قد تم منع ألعاب الحظ ومن ضمنها ألعاب الرهان الرياضي ما عدا المرخص لها قانونا.
وحيث يتبين من القانون عدد 20 لسنة 1974 والقانون عدد 63 لسنة 1984 "أن المشرع منع وحجر ممارسة نشاط تنظيم مسابقات التكهنات الرياضية وجعله مجالا تحتكره الدولة بصفة حصرية " ،وبمخالفة هذه التشريعات ترتكب جريمة التلاعب بالرهان الرياضي الإلكتروني .
أصبحت تنظم المراهنات الرياضية على خلاف الصيغ القانونية من قبل "مؤسسات تخرق القوانين والتشريعات ،وتستغل بعض الغموض والنقاط الرمادية ...اضافة الى التجاوزات القانونية الصارخة والتلاعب بالإجراءات الخاصة ببعث المؤسسات حيث أن كافة المؤسسات التي تمارس هذا النشاط دون وجه قانوني مسجلة بدفاتر السجل الوطني للمؤسسات كمؤسسات مختصة في الخدمات الإعلامية ... و تعمل على استهواء المتراهنين دون أن تقدم لهم أي ضمانات باعتبار أن منصات تعاملها الإلكترونية موجودة خارج البلاد التونسية ".
وبمجرد تكوين هذه الشركات و ممارسة نشاطها يقع ارتكاب الجريمة الصرفية هي جريمة ذات طبيعة اقتصادية باعتبارها مرتبطة بالسياسة النقدية التي هي قوام النظام الاقتصادي للدولة ،باتت ترتكب اليوم من خلال نشاط الرهانات الرياضية الإلكترونية ،أصبح هناك سوق تجارية إلكترونية في عملية الصرف ،تديرها شركات الرهان الرياضي الغير شرعية في تونس حيث " تدفع معاليم خدمتها بالعملة الأجنبية وتفرض أسعارا مختلفة بفوارق هامة للعملة الأجنبية وتختلف كثيرا عند الشراء وذلك لحصد المرابيح الطائلة وهذا فيه انتهاك لقوانين الصرف " وذلك ما نص عليه الفصل 23 مجلة الصرف أن "جميع المناورات التي يقصد من ورائها التخلص من الالتزامات أو الموانع التى تقتضيها تراتيب الصرف تقع معاينتها وتتبعها وردعها كجرائم أو محاولات جرائم ". بالتالي استفحال الجريمة الصرفية داخل هذا النشاط من خلال التدفقات المالية الأجنبية التي تدخل تونس عبر السوق السوداء للصرف الإلكتروني بالرهانات الرياضية ،وهذا لعدم مواكبة التطور التشريعي في ميدان الصرف من قبل التشريعات الأجنبية أدى إلى الضعف في "المراقبة السياسية النقدية والمالية بما يتفق والمصالح الاقتصادية " للبلاد التونسية.
إن صفة الفاعلين لهذه الجرائم تتسع لتشمل أي شخص مرتكب لها سواء منتمي للمجال الرياضي أو أي مجال أخر ،وهذا الاتساع يؤكد على مدي خطورة هذا النوع من الجرائم وضرورة مجابهتها والتصدي لها في ظل الفراغ التشريعي خاصة في المجال الرياضي وعدم توحيد التشريعات الرياضية بمجلة واحدة كما هو مكرس في الدول المتقدمة.
من جهة أولي قد تكون صفة المؤسس لبعض المحلات التى تمارس في ألعاب الرهان الرياضي منتمي إلي نشاط مختلف عن هذا النشاط معظم الفاعلين هم أشخاص يقيمون بالخارج يقومون بفتح حسابات لدي مزودين عالميين مختصين في الرهان الرياضي ،وبفضل هذه الحسابات يمكنون التونسيين المقيمين داخل البلاد من المراهنة بالعملة المحلية بطريقة غير مشروعة.
لكن من جهة ثانية يمكن أن تكون صفة المؤسس أو وكيل الشركة من المنتمين لهذا النشاط ،وهذا ما جاء في قرار مجلس المنافسة بأن شركة "كجوال بات" (Casual bet) "أحد مؤسسيها ووكيلها ...سبقا له أن كان موظفا بشركة النهوض بالرياضة قبل أن يتم عزله في تاريخ 26 ديسمبر 2016 مما يحجر عليه بصفة قطعية أن يمارس بنفسه أو بواسطة الغير نشاطا خاصا له علاقة بوظيفته السابقة وفقا لأحكام الفصل 71 من القانون عدد 78 لسنة 1985 المؤرخ في 5 أوت 1985 المتعلق بضبط النظام الأساسي العام لأعوان الدواوين والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية والفصل 166 من الأمر عدد 2975 لسنة 2007 المؤرخ في 19 نوفمبر 2007 المتعلق بضبط النظام الأساسي الخاص بأعوان شركة النهوض بالرياضة ".
أخيرا يمكن الحديث عن بداية اعتراف التشريع التونسي بهذه الشركات والمحلات بطريقة غير مباشرة ،و ذلك من خلال قانون المالية لسنة 2021 طبقا لأحكام الفصل 24 الذي ينص "بإحداث معلوم على ألعاب الرهان والحظ من صنف متعددة الاحتمالات ... و الالعاب الرقمية...يستوجب على منظمي الألعاب المذكورة ويوظف بنسبة 15 % من ناتج الاستغلال الخام المحقق من قبلهم..." ،وبداية من جانفي 2021 أصبح هنالك التصريح الشهري بالمعلوم الموظف على ألعاب الرهان والحظ عبر الانترنت ،ويطبق المعلوم على "المبالغ المبالغ الراجعة للمتراهنين بصفة فعلية ..." ،وتبدو أن غاية المشرع التونسي من هذا التصريح والمعلوم الموظف على هذا النشاط هو معرفة مصادر الأموال ومراقبتها لعدم جعل هذا النشاط مسلكا لتنظيف المال الفاسد.
بالتالي اليوم على المشرع التونسي النظر في التشريع الرياضي بصفة عامة من أجل توحيده في مجلة رياضية وتكرس فيها القوانين المدنية والتجارية والجزائية والجبائية المتعلقة بالمجال الرياضي وهو ما ينادي بيه رجال القانون منذ سنوات ،من أجل المحافظة على القيم النبيلة لهذا المجال .