ساحة القضاء : تطور القانون الجنائي
سكاي وورلد نيوز / تطور القانون الجنائي/ قسّم العلماء التطور الخاص بالقانون الجنائي إلى عدّة مراحل بناءً على الحقبة التي مرت بها المجتمعات
.وهذه المراحل هي: مرحلة الانتقام الفردي: فقد شملت هذه المرحلة القبائل المتنقلة، والتي كانت تعتبر أي اعتداء على أحد من أفرادها اعتداءً على القبيلة بأسرها، فكان أفراد قبيلة المجني عليه يتجمّعون لغزو قبيلة الجاني، والتي تعدّ المسؤولة بالتضامن مع الجاني، فتقوم حربٌ بين القبيلتين، وذلك بهدف الانتقام .
وهذا الانتقام يكون لإرضاء عائلة المجنيّ عليه أو من أجل التوصّل إلى حلّ لمصالحة الطرفين المتخاصمين على شروط أن يتفقوا عليه.
أمّا داخل القبيلة فكانت توزع المسؤوليات على رئيس القبيلة، والذي يباشر سلطته على قبيلته، فله صلاحية تأديب أفراد قبيلته من ضرب بسيط مروراً بالقتل أو الطرد، وبعد أن تطوّر المجتمع ظهر نظام القصاص ونظام الديّة، وأصبح تطبيق هذه الأنظمة إجباريّاً بعد نشوء الدول، بالإضافة إلى ظهور مجموعةٍ من الأنظمة الأُخرى؛ كنظام نفي الجاني، ونظام التخلي عن الجاني لأهل المجني عليه، ونظام تحريم القتل في أوقات معينة.
مرحلة الانتقام للدولة: بدأت هذه المرحلة منذ نشوء الدولة، والتي أصبحت السلطة التي تصدر العقاب وتمارسه نيابةً عن الأفراد، فقد كان هذا الحقّ مقصوراً على الجرائم التي تمسّ أمن الدولة، إلّا أنّها قد شملت جميع الجرائم فيما بعد، وفي هذه المرحلة كان العقاب قائماً على أساس التكفير، فكان يقع العقاب من أجل إرضاء الآلهة بالانتقام لها، وبعد ذلك أصبح العقاب يقع على المجرمين للانتقام للجماعة، حيث كان تنفيذ العقوبات بدرجةٍ عاليةٍ من الحزم والصرامة دون طرح فكرة إصلاح المجرم، والجدير بالذكر أنّ الحكم بين الناس لم يكن قائماً على أساس العدل، بل بالنظر إلى مراكزهم الاجتماعية في الدولة.
مرحلة الإنسانية: وتسمى كذلك بالمرحلة الفلسفية، وأساسها تغيير نظام العقوبة من نظام انتقاميّ إلى نظامٍ أكثرَ تسامحاً وإنسانية، وقد بدأت هذه المرحلة في القرن الثامن عشر مع ظهور بعض المصحلين، ومنهم: مونتيسكيو : الذي ألّف كتاب روح القوانين، وانتقد فيه نظام العقوبات السائد. روسو صاحب كتاب العقد الاجتماعي، والذي نادى إلى تخفيف العقوبات إلى الحدّ الأدنى لحماية المجتمع من المجرم، ومنعه من إيذاء غيره. سيزاري بيكاريا صاحب كتاب الجرائم والعقوبات والذي رأى أنّ أساس قانون العقوبات هو حماية مصلحة الجماعة في أن تحيا وتحافظ على كيانها، وبالتالي فإنها من الضروري أن تملك حق العقاب للدفاع عن مصالحها، وذلك بأن يتمّ تحديد هدف العقوبة في منع المجرم من العودة إلى حياته الإجرامية ومنع الناس من الاقتداء به.
المرحلة الحديثة: بعد ازدياد انتشار الجريمة في منتصف القرن التاسع عشر، ظهرت نظريةٌ جديدةٌ في إيطاليا، سمّيت بالمدرسة الواقعية، وكان أساس هذه النظرية هو الاهتمام بالجاني بالمقام الأول، ومن ثم تأتي الأفعال المادية بالمقام الثاني، وقد أنكرت هذه النظرية مبدأ حرية الاختيار، وأخذت بمبدأ الإجبار، حيث إنّ السبب وراء قيام الجاني بجريمته هو توفّر عوامل داخلية متعلقة بالجانب النفسي للمجرم، وعوامل خارجية متعلقة بظروف معيشته وبيئته، وقد أوضحت هذه النظرية أنّه يمكن التنبؤ بخطورة الشخص الإجرامية قبل ارتكابه للجريمة، وعليه يمكن اتّخاذ تدابير وقائية لتلافي حدوثها.
وقد نادى أصحاب هذه النظرية بضرورة دراسة الأسباب النفسية والاجتماعية التي قد تؤدي إلى تنفيذ المجرم لجريمته، وعلاج هذه الأسباب قبل حدوثها.
أهمية القانون الجنائي يستمدّ القانون الجنائي أهميّته من الغاية التي وُضع من أجلها، ويمكن تلخيص أهميته فيما يلي: حماية المصالح الجماعية والفردية: فلو تُرك الأمر دون قانون يحمي مصلحة الفرد لسادت الاضطرابات بين الناس وضاعت مصالحهم.
توفير الأمان والطمأنينة لأفراد المجتمع: فالأفراد يقدمون على أعمالهم دون خوف من أن يُحاسبوا على فعل غير مجرّم، وذلك لأنَّ قانون العقوبات جمع الأفعال التي تُعتبر من الجرائم، ووضع لها عقوبات مسبقاً، وهذا من شأنه أن يُشعر الأفراد بالطمأنينة وعدم الخوف مِن وقوع أي ظلم عليهم، وحتى لو وقع فإنهم على علمٍ بأنّ الفاعل لن يفرّ من العقاب.
نشر العدالة بين الناس: إنَّ الناس أمام القانون سواسية، يُطبَّق عليهم دون أي اعتبارات، وذلك لأنّ القانون حدّد الأفعال المجرّمة مسبقاً؛ بحيث لا يمكن أن يعاقب الفرد ما لم يقترف أيّ فعلٍ من هذه الأفعال، وفي حال ارتكابها فإنّه سيُعاقَب مثل غيره من الناس الذين ارتكبوا الجرائم قبله.
مكافحة الجريمة: إنَّ أهمية القانون الجنائي تتمثل في مكافحة الإجرام، ومحاولة منع الجرائم قبل وقوعها عن طريق التدابير الاحترازية والوقائية. مصادر القانون الجنائي إنَّ مصادر القانون الجنائي تختلف من دولة إلى أُخرى، ولا يمكن حصرها بمرجع واحد، فعلى سبيل المثال يَعتبر التشريعُ الجنائيُّ الإسلاميَُ القرآنَ والسنّةَ أساسَ أحكامه، ولكنه بالمقابل يعتمد على اجتهادات الفقهاء وإجماعهم، وقياسهم، وعليه فإنَّ القانون الجنائيّ يستمد قواعده من عدّة مصادر يمكن تقسيمها إلى مصادر مباشرة وغير مباشرة، ويمكن تلخصيها فيما يلي:
- القوانين الجزائية المتعلقة بالتجريم والعقاب: فإنَّ السلطة التشريعية وحدها هي التي تملك الحقّ في إصدارها، وقد تصدر على شكل قواعد عامّة مجردة، وتُعتبر المصدرَ الأساسيَّ لقانون العقوبات، فيحدد المُشرِّع الأفعال التي يُعاقَب عليها، والجزاءات التي تقع على مرتكبيها، وعليه فإنّه لا يتمّ معاقبة أحد على أفعاله ما لم تكن منصوصة في القانون، وهذا ما يُعرف بمبدأ "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنصّ".
- الأنظمة الإدارية الجزائيّة: بالرغم من أنّ الأصل هو صدور القوانين الجنائية من السلطة التشريعية المتمثلة بالبرلمان، إلا أنَّه يمكن أن يتمّ إعطاء صلاحيات السلطة التنظيمية لرئيس الدولة، أو للسلطات الإدارية كالوزارات، والإدرات المركزية أو العامة؛ حيث يُسمح لها بإصدار قرارات أو مراسيم مُلزِمةً، وتُعتبر مخالفتُها جريمةً تستحقُّ العقابَ عليها.
-العرف: وهو رأي الجمهور حول قضية معينة، إلا أنَّ التشريع الجنائي يعتمد بالمقام الأول على التشريع المكتوب، لذلك يُعتبر العرف من المصادر غير المباشرة للقوانين الجنائية، وقد وُجدت أحكامٌ عديدةٌ في قانون العقوبات راعت أعراف المجتمع وعاداته، كجريمة الزنا التي شُرّعت في قوانين دول معينة، فيما لم تشرّعها قوانين دول أُخرى، وذلك لإباحة هذا الفعل في مجتمعاتها.
-القانون الدولي العام: يعتمد القانون الجنائي في بعض أحكامه على القانون الدوليّ العام، وذلك في تحديد القوانين الواجب تطبيقها لمعاقبة المجرمين سواء كانوا مواطنين، أم أجانب، داخل الدولة أو خارجها، وفي تحديد الأقاليم البحرية والجوية للدولة، وفي قضايا تسليم المجرمين وغيرها من الأمور.
-الشريعة الإسلامية: ويمكن اللجوء إلى الشريعة الإسلامية لتفسير بعض الألفاظ العامة التي ترد في القانون الجنائيّ، مثل الآداب العامة، وانتهاك العرض وغيرها، وكما أنَّها تُعتبر مرجعاً للمُشرّع أثناء وضعه للقوانين بناءً على المرجعيّة الدينيّة له.