الفنانة المعتزلة شمس البارودي، أو كما تحب أن يناديها الناس حاليا «الحاجة شمس»، عام 1982 كانت تستعد لبطولة فيلم جديد، واشترت الملابس من فرنسا، كانت في أواخر العشرينيات من عمرها وقبل التصوير ذهبت لأداء العمرة، وبعدها قررت أن تعتزل الفن وتتفرغ لأسرتها وعبادتها، اندهش الجميع من هذا القرار المفاجئ الذي اتخذته النجمة التي حازت شهرة واسعة خلال فترة السبعينيات، بل هاجمها الكثيرون وانهالوا عليها بالاتهامات وشككوا في دوافعها لاتخاذ هذا القرار.
لم تهتم شمس البارودي بهذه الاتهامات ولم تهتز لكل المغريات التي حاولت إثناءها عن هذا القرار بمزيد من العروض لبطولة أفلام جديدة، بل لم تشغل نفسها بالرد على هذه الاتهامات، واكتفت بنشر إعلان تتبرأ فيه من أعمالها، ونشر والدها مقالا يرد فيه على بعض هذه الاتهامات التي ادعى بعضها أن النجمة المعتزلة تلقت تمويلات لاتخاذ هذا القرار.
وأكدت الحاجة شمس أنها تعرضت لظروف صعبة خلال هذه الفترة، حيث تم منعها من دخول بعض الأماكن، خاصة عندما قررت بعد 4 سنوات من ارتدائها الحجاب أن ترتدى النقاب، ولكن كل هذا لم يثنها عن قرارها الذي اتخذته في اعتزال الأضواء بلا رجعة، خاصة أن زوجها الفنان حسن يوسف توقف لفترة عن التمثيل حتى أفتاه الشيخ الشعراوي بأن الفن حلاله حلال وحرامه حرام، وأنه يمكن أن يقدم أدوارا هادفة يستفيد منها الناس قائلا: «زي ما علمت الشباب الشقاوة علمهم الأخلاق».
وأوضحت شمس البارودي في حوارها مع "اليوم السابع" المصرية، قائلة: «شعرت أن الجمال والمال والشهرة إلى زوال ولن يبقى معي في قبري إلا عملي، فقررت الاعتزال بلا رجعة».
تحكى عن طفولتها وأسرتها قائلة: «اسمى شمس الملوك جميل البارودي، وأنا الابنة الكبرى لأسرتي التي تتكون من 6 بنات وولد، وكان لي أخت غير شقيقة من أمي اسمها نيفان هي والدة الفنانة غادة عادل وتوفت في سن صغيرة، وأنتمى لعائلة البارودي السورية، ولنا بيت كبير في سوريا، وينتهى نسبى إلى الإمام الحسين، ووالدتي مصرية من أصل تركى، وانتقل جدى لأبى إلى مصر، حيث التحق أبى بالجامعة، وعمل مديرًا لمصانع كافوري للغزل والنسيج، ولدت في الوراق بالجيزة، ثم انتقلنا إلى فيلا بحديقة واسعة بالمعادي، وانضممت في صغرى لفرق الباليه والجمباز».
وعن بداية دخولها المجال الفني قالت: «عندما وصلت لسن 16 سنة كنا نزور صديقا لوالدي، وكان يسكن في نفس العمارة المخرج إبراهيم شكري، ورآني، وكان يجهز وقتها لمسلسل قطر الندى، وعرض على والدي أن أقوم بهذا الدور، ولكن أبى وأمي رفضا، لأنني كنت وقتها في الثانوية العامة، ولكنني فرحت بفكرة الأضواء والشهرة، ورجوتهما أن يقبلا، وبالفعل تم وضع صوري على غلاف المجلات، وبعدها انهالت على العروض، والتحقت بمعهد الفنون المسرحية، ولكن حياتي الفنية كانت قصيرة، وتركت الفن وأنا في أواخر العشرينيات».
تشير إلى أهم ذكرياتها خلال فترة عملها بالفن قائلة: «لا أنسى الفترة التي شاركت فيها في فيلم الرهبة مع هند رستم وسهير البابلي وزينب صدقي، وكان عمري 17 عاما ورشحتني للدور الفنانة هند رستم بعد نجاح مسلسل العسل المر الذي شاركت فيه وحقق نجاحا كبيرا».
وأضافت: «كانت أول مرة أبتعد عن بيتي وأبى وأمي، وكنت أدرس في سنة أولى معهد فنون مسرحية، وشعرت بخوف ورهبة من السفر بدون أسرتي».
وأوضحت الحاجة شمس: «بابا سلمني للفنانة هند رستم وأوصاها بألا تتركني، وبالفعل جعلتني أقيم معها في غرفتها ولم تكن تتركني، وكنت أنام على سريرها وتنام هي على الكنبة».
وتابعت ضاحكة: «بعد أسبوع من السفر جالي انهيار، وظللت أصرخ عاوزة بابا، فاجتمعت الفنانة سهير البابلي وزينب صدقي وهند رستم واتصلوا بوالدتي وتركوا الخط مفتوحا حتى أتواصل مع أسرتي في مصر»، مؤكدا أنها طوال عملها بالفن كانت منطوية وغير اجتماعية، ولذلك لم يكن بينها وبين الكثيرات من الوسط الفني صداقات ومنهن السندريلا سعاد حسنى التي جمعها بها أكثر من عمل، مشيرة إلى أن السندريلا كانت تقول لها دائما إنها تشبه شقيقتها الصغرى، وهي الأخت التي توفت في شبابها في حادث قبل وفاة السندريلا.
تحكى البارودي عن لقاء زوجها الفنان حسن يوسف بسعاد حسنى بعد سفرها الأخير إلى لندن قائلة: «بعد اعتزالي بسنوات كان زوجي حسن مسافرا إلى لندن مع ابننا محمود للدراسة، وذهب إلى فندق يمتلكه مصري وكان هذا في شهر رمضان، وفى الريسبشن اجتمع حوله عدد من المصريين، وفوجئ بصوت يناديه «إزيك يا حسن»، وكانت سيدة تجلس في الرسيبشن وإلى جوارها بعض الشنط فنظر إليها ولم يعرفها بسبب تغير شكلها، فقالت له: «أنت مش عارفني أنا سعاد يا حسن، فأصيب حسن بالصدمة والخجل، لأنه لم يعرفها بسبب تغير شكلها، وبعدها ذهبت معه لنسأل عنها فأخبرنا صاحب الفندق أنها غادرته في نفس اليوم الذى قابلت فيه حسن».
تتحدث عن قرار الاعتزال قائلة: «اتخذت هذا القرار في أول عمرة في حياتي عام 1982، وقبلها كنت أستعد لفيلم جديد واشتريت ملابسه من أكبر محلات باريس، وكنت متزوجة ولدىَّ من الأبناء ناريمان ومحمود، ولم أكن أنجبت كلا من عمر وعبدالله، وكنت في صحبة أبى، وأنعم الله على بختم القرآن في أيام العمرة، وعندما وقفت أمام الكعبة استشعرت مدى ضآلة الإنسان وضعفه وقلة حيلته أمام عظمة الله، وقبلت الحجر الأسود، ووقفت في الثلث الأخير من الليل رافعة يدى وأنا أدعو الله أن يقوى إيماني، وظللت أردد هذا الدعاء وجسدي يرتجف من البكاء، وكانت تلك الليلة هي الحد الفاصل في حياتي، وقررت فيها الاعتزال والتفرغ لأسرتي وعباداتي».
تشير إلى أنه لم يكن للشيخ الشعراوي دور في قرار الاعتزال، وأنها التقته بعد هذا القرار بسنوات، وتؤكد أنها لم تبادر بدعوة أي فنانة للاعتزال أو ارتداء الحجاب.
وعن خلعها النقاب قالت: «خلعت النقابة عن قناعة ولظروف المجتمع كما أن المشايخ قالوا إن إظهار الوجه أولى لمعرفة هوية الشخص، وقد ارتديه لأنني كنت أشعر براحة نفسية في ارتدائه وأرغب في التقرب به إلى الله، وعندما سألت الشيخ الشعراوي لم يكن بهدف خلعه ولكن حتى أفهم وأتعلم».
وأضافت: «في حياتنا يوجد النقيضان في التطرف العرى والنقاب، وخير الأمور دائما الوسط، كما أن رسول الله لم يخير بين أمرين إلا واختار أيسرهما».
سألناها عن علاقتها بالفنانة غادة عادل ابنة شقيقتها فقالت: أختي نيفان شقيقتي الكبرى من أمي وكانت قريبة منى جدا، وهي أول من علمتني قراءة القرآن، وتوفت في سن صغيرة، وتركت غادة وشقيقها خالد وكان عمر غادة وقتها 3 سنوات فتربت مع جدتها، وكنت أتواصل معها لفترة طويلة في طفولتها وصباها، ولكن بدأ هذا التواصل يقل شيئا فشيئا، وكانت آخر مرة التقينا فيها بمهرجان في سوريا عام 2010 وبعدها لم يحدث أي لقاء أو تواصل».
تحكى عن علاقتها بالنجمات المعتزلات قائلة: «لم أبادر بدعوة أي فنانة للحجاب أو الاعتزال، ولكن كان عدد منهن يتواصلن معي عندما فكرن في هذه الخطوة، وكان أولهن الفنانة الراحلة شادية التي اعتزلت بعدى بخمس سنوات».
وأوضحت البارودي قائلة: «لم تجمعني بالحبيبة شادية أي أعمال فنية ولم أقابلها فترة عملي بالفن، وبعد اعتزالي لم أكن أتواصل مع أحد من الوسط الفني، وفوجئت في أحد الأيام بابني عمر يناديني قائلا: «واحدة اسمها شادية عاوزاكى على التليفون».
وأضافت: «لأول مرة أشعر بمدى جمال صوتها حين قالت لي السلام عليكم ورحمة الله يا أختي في الله، ولم أكن أتخيل أن تكون الفنانة شادية هي من تحدثني، وقالت لي إنها ذهبت للشيخ الشعراوي، وقالت له عاهدت نفسي ألا أغنى إلا الأغاني الدينية، فقال لها: عاهدي الله وكلمى أختك شمس».
وتابعت البارودي قائلة: «بعدها جمعني بشادية أكثر من لقاء، فزارتني في بيتي مرتين، وذهبت لها في بيتها بالجيزة وقبل أن تنتقل للإقامة مع أبناء شقيقها أكثر من مرة، وكنا نجتمع أنا وهي والشاعرة علية الجعار، وكانت تسألني عن تجربتي في الاعتزال وكيف تركت عالم الشهرة».
وعن تفاصيل هذه اللقاءات قالت: «كانت علية الجعار تقول أشعارا في حب الله ورسوله، وكنا نقرأ القرآن ونختمه معا، ونتحدث في الدين، وكانت الحاجة شادية تسأل عن كل صغيرة وكبيرة حتى تتقرب إلى الله، كما كانت تقص علينا رؤى جميلة تراها في المنام، ونشأت بيني وبينها علاقة قوية ووقفت إلى جواري بعد وفاة أمي».
وعن تفاصيل العلاقة التي جمعتها بالفنانة الراحلة مديحة كامل قالت شمس البارودي: «كنت في عمرة مع زوجي وتركت أبنائي مع والدى وعندما عدت قال لي مديحة كامل اتصلت أكثر من مرة، ولم يكن بيني وبينها سابق معرفة ولم يجمعنا أي عمل، فاتصلت بها وظلت تسأل عن أمور كثيرة في الدين وتسألني عن قرار الاعتزال وتقول أنتئ عملتي كدة إزاى، وكانت كالعطشان تسمع كل كلمة بشغف شديد»، وتابعت: «كانت مديحة تعمل في آخر أفلامها وسألتني ماذا أفعل أكمل الفيلم أم لا، لأنها كانت لا ترغب في تمثيل بعض المشاهد به، فقت لها استشير الشيخ الشعراوي، والتقينا أكثر من مرة في مجالس علم، وتوفت بعد قرار الاعتزال بـ3 سنوات».
أما عن الفنانة الراحلة هالة فؤاد فقالت شمس البارودي: «كانت علاقتي بها قوية وتحدثت معي في بداية مرضها وتقابلنا كثيرا وكنت أزورها في بيتها، وأشعر أنها شقيقتي الصغرى وكانت قوية رغم المرض، وتحملت ابتلاءات كبيرة، حيث توفى والدها بعد مرضها وعاشت والدتها مرارة وفاة الزوج ثم مرارة موت ابنتها، وكان ابنها هيثم مع أبني عمر بالمدرسة».
وأكدت شمس البارودي أنها ما زالت تتلقى عروضا لإعادتها للأضواء، وآخرها عرض تلقته من إحدى القنوات الفضائية لتقديم برنامج ديني أو الحديث عن حياتها وتجربتها الشخصية مقابل الملايين ولكنها رفضت بشكل قاطع، قائلة: «أرى أن للدعوة أهلها من علماء الدين الأكثر قدرة على هذه المهمة، كما رفضت الظهور في برنامج للحديث عن نفسي وتجربتي وحياتي وأسرتي وما زال هذا العرض قائما حتى الآن».
تؤكد أنها لم تكن تحب التمثيل، وتقول: «لا أتخيل أن أقف أمام الكاميرا، لأنني أخشى فتنة الإعلام الذي يستلزم أن أنشغل بجمال وجهي».
والآن لا تخرج شمس البارودي من منزلها إلا قليلا، وتنشغل بالصلاة والعبادات ورعاية شؤون أسرتها، تتابع أخبار ابنتها ناريمان التي حصلت على ماجيستير في العلوم الإنسانية وماجيستير في الترجمة ودكتوراه في تاريخ المرأة العربية من لندن، ومحمود الذي يعمل في دبي، وتلبى طلبات عمر وعبد الله وقبلهما زوجها الفنان حسن يوسف، وتؤكد سعادتها بهذه الحياة الهادئة التي اختارتها لنفسها بعيدا عن الأضواء.
ومع انطلاق الشائعات التي تؤكد عودتها للأضواء بين حين وآخر تقول: «هذا الكلام غير صحيح تماما، ولا أعرف مصدر هذه الشائعات التي تطاردني دون توقف، وليس معنى ظهوري في أي مناسبة اجتماعية أنى سأعود للأضواء، فأنا اعتزلت التمثيل ولم أعتزل الحياة، ولا أستطيع التمثيل أو تقمص أي شخصية أخرى، ولن أعود للظهور الفني مرة أخرى، واكتفى بمعية الله ورسوله وبكوني زوجة وأما وأشغل أوقاتي بعباداتي وأسرتي، ولا أريد أن يشغلني شيء عن حياتي التي اخترتها لنفسي حتى ألقى الله».